الماء بارد . أبرد من جباه الخاملين . يدفعه فم المغسلة إلى البالوعة فلا يعترض أو يتملص أو يتشظى لأنه مقيد . يغريه الشوق، يدعوه نحو أفق رحيب ، فيفقأ الماء عينيه خوفاً من النور غارقاً في الظلام . لكنّ فؤاده يشتعل ، يكاد يبصر بحواسه الأخرى العشب أشد خضرة خلف السور ، و لا يهرب . ينقر حاجز الصنبور الحديدي برفق و يحاول أن يتأكد : أنا السجين هاهنا ؟ أم ذلك الحارس بالجوار ؟ فكل ما يفصلنا جدار .
يعود من البالوعة إلى الصنبور ، من الصنبور إلى البالوعة ، و يدور الماء .
الماء ساخن .
لا يسمح لأحد بالاقتراب ، غاضب يلسع أي يد دون سبب ، لا وقت لديه للشرح ، أنا و من بعدي الطوفان ، يذيب كل من يحاول أن يتعرف على عالمه ، السكر غبي و القهوة وحيدة و الشاي وضيع ،
لماذا كان على هذه الأشياء أن توجد ؟ يحرقها لأنها مرغوبة و هو لا يستطيع أن يكون لذيذا ً وحده .
أنا لا أحتاج لأحد !
ينكفئ على نفسه ،
يغلي يغلي يغلي .. و يتبخر .
الماء مالح .
بكميات هائلة هائج دون نزق ، بكل روعة الغضب الجميل ، متفهم بلا عجز ،أمواجه تثور لا تحتمل الظلم و القيد ، و ذراعاه تحضن في المساءات الرفاق ، تهمس للقمر و تحمل إلى السطح فضول الصغار المتعطشة للهواء والليل .
لكنه مالح جدا . موضوع للفرجة ، للأنس و المتعة و الركوب .. غير صالح للاستهلاك ال ..
من وضع كل هذا الملح في مساحات الجسد الجميل ؟
يتساءل وحده و يتناثر الملح على وجنته .
الماء عذب
لكنه يهطل من السماء .
الماء المسكين لا يعرف كيف يروي نفسه
فقط ..
كل يوم حين يعشب الثرى .. يجوع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق