الثلاثاء، أغسطس 12، 2008

موعد في المهجر


جئت على موعد مع نفسي ، أملا أن تكون هذه هي الورقة الأخيرة التي أكتبها لي ، فأنهي بإنهائها فصلا طويلا من الألم المضني القاتل .

جئت على موعد مع نفسي ، على علم بأنه أجمل المواعيد و أحلاها ، أقعدها أمامي أراها مبتسمة ترمقني و أنا أكتب بعينين تشعان بالإعجاب الكبير .

عامل المقهى يجمع بقايا الفارغين . بأسى يلم فتاتهم و يعجز أن يقبض ما نثرته أفئدتهم من هموم الحياة .

الضوء ، يمكن أن أبصره من هذه الحجرة المحكمة ، كل ما فيها مغلق السقف الجدران حتى الزجاج مطلي بالسواد القاتم و رغما عنهم يبتسم من خلال فتحة صغيرة معلنا انتصاره .

الصغار أيضا يعلنون انتصارهم رغما عن أعين والديهم و زمجرتهم ، يصرخون و يشتمون محطمين كل الحواجز التي تظهر عند كبرهم باسم الخطأ . ثم يكتشفون بعد نضجهم أن الأخطاء في الدنيا ليست سوى أوهام استسلام لرغبات الآخرين و عقولهم .

جئت على موعد مع نفسي ، أصارحها و أسائلها و أطلبها السماح و العفو ، أرجوها الغفران ، أتوسل إليها أن تكف عن جلدي، و أدعوها أن نبدأ معا كتابا جديدا نفتحه باسم جديد نرسم له أرق غلاف بأيدينا المفتقرة للمهارة الناضحة بالصدق . جئت أحادثها عن شؤوننا الخاصة الدقيقة ، فقط أنا و هي على غفلة عن أعين المارين الفضولية ، لا يعنيني سوى أمرها مهما سمعت و رأيت من كلام بني البشر .

بنو البشر ؟ أين هم بنو البشر ؟

الناس إما ملهِم أو حاسد

و لقد خُلقت لتلهِمي و لتُحسدي

لا يوجد سوانا هنا .. مدي إلي كفك البديع و اسعفيني . أين أبحث عنك لأجدكِ ؟ أريد أن أرضيكِ أنتِ . و أقذف بالآخرين جميعهم في البحر في القمامة في جهنم و ترضين أنتِ .لم هو رضاك صعب و وعر ؟ لماذا لم أظفر به طيلة خمس و عشرين سنة؟ لم أنت متزمتة و بخيلة و عصية على الفهم و الرضا ؟ امنحيني رضاك و بركتك و لا تحرميني من السير في حياة هادئة . امنحيني الغفلة . إنني أضع وعيي كله في يديك ِ إنني ألبسك تاج عقلي و أقلدك عقد شكي ، فقط دعيني أعيش مثل كل الدهماء الذين لا يشعرون ، مثل الصم البكم الذين لا يعقلون ، ساعديني في أن أكون أمام كل أحد تماما كما أنا هنا أمامك ، بكل هذا الجبروت الضخم و العزة المنيعة و العظمة الخالدة . أنت في نظري الأجمل و الأروع فلماذا لا تبوحين لي بمثل هذا ؟ و تضنين علي بقلبك ؟ ومتى تكفين عن قول لا أدري و لا أعلم و تعليق أخطائك على الآخرين و تشرعين في البحث معي عنك أعني عنا ؟ لم لا نعيش معا بسلام ننهي به كل هذه الصراعات المخيفة التي تحدث داخلنا و نلعن بكل ثقة و قوة الناس حولنا الذين يؤذوننا و لا يعنينا أمرهم .

أريد أن أفصح لك عن حقيقة دواخلي ، إنني أعيش في بعدين من الحياة ، داخلي غارق في الذات صادق جدا صريح و متذمر و ناقم و ساخط و ساخر من كل شيء حوله عظيم بذاته ذائب في حبها ، يرفض الأغلال وحداني كغريب في بلاد غريبة . و خارجي ، لا يظهر كرها لأحد ، كريم و معطاء يتبع القوانين و يسير حسب الأنظمة ، يضع حاجزا فولاذيا بينه و بين الآخرين ، الاقتراب ممنوع . أسلاك شائكة مكهربة تفصل ما بين الداخل و الخارج ، و هو أي أنا أعني نحن ، نتعذب بفعل هذه السياط هذا الحاجز هذا الجدار الذي يحول داخلي و خارجي إلى ساحة حرب لعينة لا تنتهي بنصر أحد و لا بهزيمته . و أنا ما بينهما عالقة ، لا أدري إلى أيهما أنزح و أجنح ، من منهما أتخذه أنا ً لي . يقول الفلاسفة اعرف نفسك و هذا ما أجدني عاجزة عن معرفته ، و لهذا دعوتكِ إلى هنا .

من يتبقى لي يا ربي ؟

أرى الناس تذهب ، تجمع حاجياتها و أغراضها و ذكرياتها و ترحل دون أن تلوح بوداع ، ضنينة حتى بالوداع . لكنني لست خاسرة ابدا ، لأنني لا أخسر . أنا لم أخلق لأخسر . قد أخسر الكثير من الأشخاص و الأشياء لكنني أبدا لا أخسر نفسي ، لا أخسركِ . و لأنني لا أخسركِ فأنا الرابحة دوما ربح الآخرون أم خسروا .

يهمني يا ربي أن تبقى معي ، و أن أبقى معي .

قاسميني حزني ، هاك كفي فتشي في عروقها كيف تشكو ، تريد أن تبث و تبوح و تتوق لأن تسمعيها ، شاركيني هذا الحزن المالح ، احزني معي ، أشعريني أنك مثلي تحتاجين أن تلعني هذا العالم و ناسه اللئيمة . أشعريني أنهم مساكين كل هذا الكون المتخم بمجموعة المساكين اللئيمة ، ونحن لسنا منهم لأننا نحزن و هم لا يعرفون كيف يحزنون . دعينا نبكي معا دونما سبب جلي ،لنقول أننا بشر ، و نثبت أن روحا طرية تستجم داخل هذا الجسد المتعب و هي بحاجة أن تستحم ، دعينا نبكي لنشعر بالسعادة .

مساء الخير أيتها النفس المطمئنة ،

مساء بعيد عن الوحوش و الناس المتطفلة الثرثارة الفضولية ، مساء بعيد عن النساء الغبيات الساذجات و الرجال التافهين الشبقين . مساء بعيد عن الازدحام اليومي الكئيب بالتفاصيل الغير مهمة . مساء رائع . مساء مثير . مساء فريد معي ..

عسى أن تعودي إليّ راضية مرضية .

ليست هناك تعليقات: